يكتسب الطفل في مرحلة المراهقة قدرات فكرية واسعة و يتخذ التفكير لديه تدريجيا صفات مجردة و هذا النوع من التفكير الذي يشبه تفكير الانسان الراشد يجعله قادرا على حل مسائل عديدة لم يكن يمتلك القدرة على حلها في مراحل سابقة .
و المراهق يستطيع في مرحلة المراهقة فهم مبادئ علمية صعبة و تحليل مسائل اجتماعية و سياسية غير مفهومة او غامضة . و كشف معاني مضمرة في النصوص التي يقرأها و التلاعب بلغته بطريقة اكثر مرونة و اكثر ابداعا من السابق و اذا ما قارنا المراهق بطفل عمره 9 سنوات سنرى ان القدرات الذهنية عنده اصبحت اكثر عقلانية
و تأسيسا على ذلك يمكن ايراد ابرز خصائص التفكير عند المراهق حسب المختصين في المفاصل الآتية :
التفكير الافتراضي الاستنتاجي :
عندما يواجه المراهق مسألة ما ، يبدا بطرح نظرية عامة حول كل العوامل التي تؤثر في النتيجة .. و من ثم يستنتج فرضيات محددة او تنبؤات حول ما يمكن ان يحصل بعد ذلك يختبر المراهق هذه الفرضيات منتظمة ليرى اي من الفرضيات ستنسجم بشكل اكبر مع الواقع
و نلاحظ من خلال هذه العملية كيف يبدا حل المسالة باحتمال و ينتهي بالواقع ، و هذا عكس ما يحصل مع ابن ال 9 سنوات مثلا الذي يبدأ بواقع ملموس مع تنبؤات ظرفية ، و عندما تفشل هذه لا يجد الطفل بدائل اخرى فيفشل في حل المسالة
و هكذا نرى ان المراهق يبدأ في حل العمليات الفكرية من خلال التفكير المنطقي و يطبق النظام الفكري و يخضع لقوانين و مبادئ المنطق ، و يتخلص تدريجيا من التفكير الحدسي الذي كان يوجه تفكيره حتى الآن .
التطور الفكري عند المراهق :
ان هذا التطور الفكري عند المراهق من المادي الى المجرد ، و من الحدس الى المنطق
ينعكس بشكل حاد على نظرة المراهق لنفسه و للمجتمع من حوله فالتكيف مع هذا النوع من التفكير المجرد يشمل التحديات نفسها التي يواجهها المراهق بتكيفه مع التغيرات الجسدية خلال هذه الفترة من النمو . و مثلما يكون المراهق احيانا اخرقا في التعاطي مع جسده المتغير .
كذلك فهو يبدو متلعثما مترددا في التعاطي مع المفاهيم المجردة .
و فيما يلي وصف لتصرفات المراهق نتيجة تفاعله مع هذه التحولات الجسدية و الذهنية ، و من خلال هذا الوصف نأمل من الوالدين ان لا يسيئوا فهم هذه التصرفات التي قد تبدو سلبية و مزعجة ، بل ان يقهموها في اطار افتقار المراهق للخبرة الكافية في التعاطي مع هذه القدرات الفكرية الجديدة .
الجدل و المناقشة :
يلاحظ الاهل جميعهم تقريبا ان ابنهم الذي كان في صغره يسمع الكلمة و يطيع كل الاوامر بدون مشقة و يقتنع بكل سهولة بما يقولونه له .
اصبح الآن مراهقا مناقشا ينظم المعطيات و الافكار و كأنه محام يقيم قضية . فلا يكتفي بجواب بسيط و مباشر لاسئلته بل يريد الف حجة ، و غالبا ما لا يقتنع بها بل يناقضها جميعا . و معظم الاهل يفيدون ان ابنهم يناقش فقط من اجل المناقشة ، و بالفعل فهذا الاعتقاد صحيح .
لذا على الاهل ان يدركوا انه لطالما هذه المناقشات تبقى مركزة على المبادئ ، و انها لا تنتهي بشجار او عراك يؤدي الى ايذاء احد الطرفين ، فإنها قد تساعد في تسريع عملية التطور عند المراهق .
فمن خلال هذه النقاشات للقوانين و القيم العائلية ، يصبح المراهق اكثر ادراكا لهذه القيم و لاسباب وجودها .و اكثر تقديرا لشرعية هذه المعتقدات حتى يصل الى تبني الكثير منها لاحقا في حياته .
و هنا نذكر ان قدرة المراهقين على الجدل الفعال تفتح الباب امام نشاطات فكرية مثيرة فالمناقشات الجماعية في الصف تعطيهم فرصة مهمة للتدرب على التفكير الناشط حول كل الجوانب المثيرة للجدل .. اخلاقية اجتماعية سياسية ..
المراهقة فترة مشحونة بالتناقضات و التمرد على كل ما هو مألوف و ممل و بعد انقضاء نصف مرحلة المراهقة نلاحظ انحسار هذه الموجة الحادة لتحل مكانها نظرة ايجابية تجاه المجتمع ما يساعد المراهق على تكوين هوية مستقلة .
